ولدت ماري زيادة (التي عرفت باسم ميّ) في مدينة الناصرة بفلسطين العام 1886
ابنةً وحيدةً لأب من لبنان وأم سورية الأصل فلسطينية المولد.
تلقت الطفلة دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان.
وفي العام 1907, انتقلت ميّ مع أسرتها للإقامة في القاهرة. وهناك, عملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنكليزية,
وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية. وفي الوقت ذاته, عكفت على إتقان اللغة العربية وتجويد التعبير بها.
وفيما بعد, تابعت ميّ دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة في جامعة القاهرة.
وفى القاهرة, خالطت ميّ الكتاب والصحفيين, وأخذ نجمها يتألق كاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي, وباحثة وخطيبة.
وأسست ميّ ندوة أسبوعية عرفت باسم (ندوة الثلاثاء), جمعت فيها - لعشرين عامًا - صفوة من كتاب العصر وشعرائه,
كان من أبرزهم: أحمد لطفي السيد, مصطفى عبدالرازق, عباس العقاد, طه حسين, شبلي شميل, يعقوب صروف,
أنطون الجميل, مصطفى صادق الرافعي, خليل مطران, إسماعيل صبري, وأحمد شوقي.
وقد أحبّ أغلب هؤلاء الأعلام ميّ حبًّا روحيًّا ألهم بعضهم روائع من كتاباته.
أما قلب ميّ زيادة, فقد ظل مأخوذًا طوال حياتها بجبران خليل جبران وحده, رغم أنهما لم يلتقيا ولو لمرة واحدة(!).
ودامت المراسلات بينهما لعشرين عامًا: من 1911 وحتى وفاة جبران بنيويورك عام 1931.
نشرت ميّ مقالات وأبحاثا في كبريات الصحف والمجلات المصرية,
مثل: (المقطم), (الأهرام), (الزهور), (المحروسة), (الهلال), و(المقتطف).
أما الكتب, فقد كان باكورة إنتاجها العام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية,
ثم صدرت لها ثلاث روايات نقلتها إلى العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنكليزية.
وفيما بعد صدر لها:
(باحثة البادية) (1920)
(كلمات وإشارات) (1922)
(المساواة) (1923)
(ظلمات وأشعة) (1923)
( بين الجزر والمد ) ( 1924)
و(الصحائف) (1924).
وفى أعقاب رحيل والديها ووفاة جبران تعرضت ميّ زيادة لمحنة عام 1938, إذ حيكت ضدها مؤامرة دنيئة,
وأوقعت إحدى المحاكم عليها الحجْر, وأودعت مصحة الأمراض العقلية ببيروت.
وهبّ المفكر اللبناني أمين الريحاني وشخصيات عربية كبيرة إلى إنقاذها, ورفع الحجْر عنها.
وعادت ميّ إلى مصر لتتوفّى بالقاهرة في 19 تشرين الثاني (نوفمبر)
1954
أنتَ أيها الغريب
أنا وأنت سجينان من سجناء الحياة, وكما يُعرَف
السجناء بأرقامهم يُعرَف كلُّ حي باسمهِ.
- بنظرك النافذ الهادئ تذوقتُ غبطة من لهُ عينٌ
ترقبه وتهتم به. فصرت ما ذكرتك إلاّ ارتدت نفسي
بثوب فضفاض من الصلاح والنبل والكرم, متمنية أن
أنثر الخير والسعادة على جميع الخلائق.
لي بك ثقةٌ موثوقة, وقلبي العتيُّ يفيض دموعًا.
سأفزع إلى رحمتك عند إخفاق الأماني, وأبثك شكوى
أحزاني - أنا التي تراني طروبة طيارة.
وأحصي لك الأثقال التي قوست كتفيَّ وحنت
رأسي منذ فجر أيامي - أنا التي أسير محفوفة
بجناحين متوجة بإكليل.
وسأدعوك أبي وأمي متهيبة فيك سطوة الكبير
وتأثير الآمر.
وسأدعوك قومى وعشيرتى, أنا التي أعلم أن
هؤلاء ليسوا دوامًا بالمحبين.
وسأدعوك أخي وصديقي, أنا التي لا أخ لي ولا
صديق.
وسأطلعك على ضعفي واحتياجي إلى المعونة, أنا
التي تتخيل فىَّ قوة الأبطال ومناعة الصناديد.
وسأبين لك افتقاري إلى العطف والحنان, ثم أبكى
أمامك, وأنت لا تدري .
وسأطلب منك الرأي والنصيحة عند ارتباك فكري
واشتباك السبل.
كل ذلك, وأنت لا تعلم!
سأستعيد ذكرك متكلمًا في خلوتي لأسمع منك
حكاية غمومك وأطماعك وآمالك. حكاية البشر
المتجمعة في فرد أحد.
وسأتسمع إلى جميع الأصوات علِّي أعثر على
لهجة صوتك.
وأشرِّح جميع الأفكار وأمتدح الصائب من الآراء
ليتعاظم تقديري لآرائك وأفكارك.
وسأتبين في جميع الوجوه صور التعبير والمعنَى
لأعلم كم هي شاحبة تافهة لأنها ليست صور تعبيرك
ومعناك.
وسأبتسم في المرآة ابتسامتك.
فى حضورك سأتحول عنك إلى نفسي لأفكر فيك,
وفى غيابك سأتحول عن الآخرين إليك لأفكر فيك.
سأتصورك عليلاً لأشفيك, مصابًا لأعزيك,
مطرودًا مرذولاً لأكون لك وطنًا وأهل وطن, سجينًا
لأشهدك بأي تهور يجازف الإخلاص, ثم أبصرك
متفوقاً فريدًا لأفاخر بك وأركن إليك.
وسأتخيل ألف ألف مرة كيف أنت تطرب, وكيف
تشتاق, وكيف تحزن, وكيف تتغلب على عاديّ
الانفعال برزانة وشهامة لتستسلم ببسالة وحرارة إلاّ
الانفعال النبيل. وسأتخيل ألف ألف مرة إلى أي درجة
تستطيع أنت أن تقسو, وإلى أي درجة تستطيع أنت أن
ترفق لأعرف إلى أي درجة تستطيع أنت أن تحب.
وفى أعماق نفسي يتصاعد الشكر لك بخورًا لأنك
أوحيت إليّ ما عجز دونه الآخرون.
أتعلم ذلك, أنت الذي لا تعلم? أتعلم ذلك, أنت
الذي لا أريد أن تعلم?]